معلومات عامة

النشاط الاتصالي والحرب النفسية

بقلم الإعلامي صلاح الحاج

_منذ فترة ليست بالقصيرة لفت انتباه كل مراقب لصيق بالساحة الإعلامية وبما يجرى على مستوى تداول المعلومة بواسطة وسائط التواصل الاجتماعى المولود الشرعى للثورة المعلوماتية التى ادى تفجرها منذ عقود، الى انهيار كافة المسلمات التى اعتمدتها مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية فيما يخص تنشر وتداول المعلومة. حيث أدى الانتشار غير المسبوق لوسائط التواصل الإجتماعى ودخولها فى حياة الأفراد ودورها فى صياغة الأفكار و المعتقدات وتحديد اتجاهات الرأى العام. أدى كل ذلك الى تغيير الأنماط التى سادت لفترات طويلة فى هذه المجتمعات من حيث إنتهاء عهد الإعلام المنضبط الذى يحتكم الى قيم المجتمع و أهدافه متخذا من الأعراف والتقاليد والمعتقدات مرجعية لرسائله. ومنذ أن تفجرت الثورة المعلوماتية وتوابعها الرقمية، أصبحت موردا خصبا للكثير من الدراسات التى تعنى بتوجهات هذه التوابع وتأثيراتها على المجتمعات. ثم لم تلبث هذه الدراسات ان اتخذت منحى أكثر تطرفا حين حاولت إختزال هذا العلم وتكريسه ليصبح بين ليلة وضحاها أحد أهم الوسائل فى إدارة الصراعات.وصارت الحروب بمجملها تخاض وأولى خطوط هجومها ودفاعاتها الإعلام ووسائله الحديثه. لقد تحولت المواجهات اليوم من ساحات المعارك الأرضية الى الوسائط الاعلامية والنصوص الالكترونية بهدف التعويض عن القدرات المادية وتقليل الخسائر البشرية ،حيث حققت هذه الأدوات الجديدة أهدافا إستراتيجية فى المجتمعات فى ظل إنتشار شبكات الإنترنت وفى ظل إعلام حديث أصبح يمكن الأفراد من نشر كل ما يرغبون به دون الإلتزام بأبجديات الإعلام المنضبط الذى ساد لفترات طويلة والذى كان الى حد ما يراعى للمصداقية والإحترافية بأكثر من ذلك فى تناوله للموضوعات. وفى ظل الصراعات والأزمات فإن هذه المنشورات غير المنضبطة تستخدم فى إحداث الكثير من البلبلة والتأثير على المتلقى لخدمة أجندتها، ذلك انها تستخدم التقنيات الحديثة التى تتلاعب بالصوت والصورة مما يجعل من الصعوبة بمكان إدراك الفارق بين الواقع والخيال، ويساهم بقدر كبير فى عدم القدرة على التعاطى مع السيل المتدفق من المعلومات التى يتم تداولها بلا وعى فى كل كسر من الثانية . ان ما يمكن ان نسميه بالاستعمار الاتصالى والحرب النفسية التى تستخدم وسائط التواصل الاجتماعى هى أشد أسلحة الحرب فتكا فى العصر الحديث. حيث إعتماد ما يعرف بالحروب الدعائية. والتى تلازم أوقات الصراعات والازمات. والتى يعتمدها الخصم كنوع من الحروب المكملة وهدفها الأهم التأثير على الآخر و إختراقه نفسيا و إحداث تشويش يؤدى الى تشتت المجهود الحربى. ويعمل على إغراق الخصم بمعلومات كثيرة التدفق حتى يصعب عليه التمييز بين الحقيقة والتمويه فيها. كما تعتمد هذه العملية على إثارة المخاوف والقلق عن طريق التهويل والتضليل المتعمد. إن ميدان الحرب النفسية التى تقودها وسائط التواصل الاجتماعى وعلى رأسها مواقع تويتر وفيسبوك وانستقرام هو الفرد. ولهذا فإن اسلحتها الاشد فتكا هى الصورة والكلمة. والتى تستخدم بحرفية عاليه من قبل الخصم من اجل بث الرعب وذلك بهدف تحطيم الروح المعنوية مما يؤدى الى شل القدرة على الأداء على المستوى المدنى والعسكرى، اضافة الى انعدام القدرة على التعامل مع المتغيرات وظهور حالات الاحباط والإنعزال النفسي. إن المعلومات التى تبثها وسائط الاعلام الالكترونية فى أوقات الصراعات والأزمات هى تماما نوع من أنواع إدارة السلوك وتوجيه الادراك صوب معطيات معينة تقود الى ترسيخ او طمس معلومات بعينها. ويتم استخدام الكثير من الوسائل فى هذا الصدد لعل أهمها ضخ الكثير من المعلومات غير المترابطة او المشوشة او المتناقضة او حتى السطحية. بغرض التأثير على موضوعية المتلقى بحيث تجعله عاجزا عن التعاطى معها تحليلا وتنظيما مما يقود الى عملية تشتيت ذهنى وهو الهدف الرئيس لهذه العملية الاعلامية. ثم تأتى المرحلة الأشد خطورة والتى يقوم فيها المتلقى وهو تحت تأثير هذا التشويش بأعادة إنتاج هذة المادة الاعلامية وإعادة ضخها عبر وسائل التواصل الاجتماعى التى تتيح إعادة تدويرها دون خضوعها للضوابط المهنية والأخلاقية . وتؤدى هذه التراكمية فى إعادة إنتاجها الى حدوث آثار كارثية لا يمكن التنبوء بتداعياتها. وكل ذلك يقود بطبيعة الحال الى آثار مدمرة فى عملية ممنهجة لتزييف الوعى وإحداث تحولات غير مسبوقة على مجريات الاحداث. ذلك مع استصحاب أنه وفى اوقات الازمات والصراعات تقل او تكاد تنعدم المعلومة الرسمية ويكثر ضجيج المعلومات المضللة التى تكبر وتتدحرج ككرة الثلج. وينتج عن كل ذلك تعبئة شعورالمتلقى بشتى أنماط الإهتزازات النفسية تجاه قضيته الاساسية. بدءا بمشاعر السخط والكراهية وليس انتهاءا بالرغبة فى الإنسحاب من الوضع النفسى غير المريح بالإبتعاد كلية عن مصادر قلقه. إن إهمية خلق وعى معلوماتى لدى المجتمع وتثقيفه بإشكاليات الاتصال الحديث وأبعادها الاجتماعية هى إحدى أهم الوسائل لمجابهة هذا الخطر. كما وأن تقوية الجبهة الداخلية وتفعيل ادوات الاتصال الجماهيرى بين القيادة وافراد المجتمع هى من الاهمية بمكان، لا سيما فى حالات الصراعات والحروب. أضف الى ذلك ضرورة إنشاء إدارات متخصصة داخل القوات الدفاعية لادارة هذا النوع من الإعلام والعمل على دحض الشائعات بنفس الاسلوب. وتدعيم المواقف الوطنية لمنع استغلال هذه الوسائط فى شق الإصطفاف الوطنى. ثم يتبقى أنه من المهم جدا معرفة دورة حياة المعلومة المضللة، منابعها و ارضيتها وطبيعتها، والفاعلون وكيفية عملها فى المجتمع، من أجل كسر حلقة إعادة إنتاجها وتداولها بلا وعى .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى